ورد في سورة "الكهف" العديد من القصص القرآنية العجيبة والمتعددة، منها قصة سيدنا موسى مع الخضر، وقصة ذي القرنين، وقصة الفتية المؤمنين الذين فروا بدينهم واعتزلوا قومهم فآووا إلى أحد الكهوف بوحي من الله، يقول الله سبحانه وتعالى:" وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف، ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا"(1)، ولأهمية هذه القصة وهذا الكهف فقد تم تسمية السورة الكريمة باسمه أي "سورة الكهف".
وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن علاقة حركة الشمس بهذا الكهف وأن ذلك من آياته في قوله سبحانه وتعالى: "وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه، ذلك من آيات الله، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا"(2).
الكهف في اللغة هو الغار في الجبل، وهو المغارة الواسعة في الجبل(3)، أما الفجوة فيقال فجوة الدار أي ساحتها(4)، والفجوة أيضا المتسع بين الشيئين(5).
ويذكر ابن كثير (رحمه الله) في شرح الآية الكريمة(6): "أن هذا دليل على أن باب هذا الكهف المذكور كان من نحو الشمال، لأنه تعالى أخبر أن الشمس إذا دخلته عند طلوعها تزاور عنه (ذات اليمين) أي يتقلص الفيئ يمنة، كما قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة (تزاور) أي تميل وذلك أنها كلما ارتفعت في الأفق تقلص شعاعها بارتفاعها حتى لايبقى منه شيئ عند الزوال في مثل ذلك المكان، ولهذا قال (وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال) أي تدخل إلى غارهم من شمال بابه وهو من ناحية المشرق فدل على صحة ما قلناه وهذا بين لمن تأمله وكان له علم بمعرفة الهيئة وسير الشمس والقمر والكواكب، وبيانه أنه لو كان باب الغار من ناحية المشرق لما دخل إليه منها شيء عند الغروب، ولو كان من ناحية القبلة (يقصد الجنوب) لما دخل منها شيئ عند الطلوع ولاعند الغروب و لاتزاور الفيئ يمينا و لاشمالا، ولو كان من جهة الغرب لما دخلته وقت الطلوع بل بعد الزوال ولم تزل فيه إلى الغروب فتعين ما ذكرناه ولله الحمد، وقال مالك عن زيد بن أسلم تميل (ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه) أي في متسع منه داخلا بحيث لا تصيبهم إذ لو أصابتهم لأحرقت أبدانهم و ثيابهم قاله ابن عباس، (ذلك من آيات الله) حيث أرشدهم إلى هذا الغار الذي جعلهم فيه أحياء و الشمس و الريح تدخل عليهم فيه لتبقى أبدانهم .
ويقول الإمام الشوكانى (رحمه الله) في تفسير الآية الكريمة(7): " للمفسرين في تفسير هذهالآية قولان: الأول: أنهم مع كونهم في مكان منفتح انفتاحا واسعا في ظل جميع نهارهم ولا تصيبهم الشمس في طلوعها ولا في غروبها لأن الله حجبها عنهم.
والثاني: أن باب الكهف كان مفتوحا جهة الشمال فإذا طلعت الشمس كانت عن يمين الكهفوإذا غربت كانت عن يساره".
أولا: اكتشاف مكان الكهف المذكور بالقرآن الكريم وأدلة ذلك :
اختلفت الآراء حول موقع ومكان الكهف الذي ارتبط بقصة الفتية المؤمنين المذكورة في القرآن الكريم ضمن سورة الكهف، وقد أشارت بعض الاكتشافات الأثرية في العقود الماضية لبعض الكهوف التي تم اكتشافها بالقرب من عمان بالأردن أو أفسوس بآسيا الصغرى أو حتى في اسكتلندا، وقد رجحت بعض الأدلة التاريخية و الأثرية و كذلك انطباق آية طلوع الشمس وغروبها أن الكهف الموجود بجنوب عمان في الأردن أن يكون هو الكهف المذكور في القرآن الكريم .
ففي عام 1963 قامت دائرة الآثار العامة الأردنية بحفريات أثرية تحت إشراف المرحوم رفيق وفا الدجانى في منطقة تسمى "سحاب"،وتقع على بعد حوالي 13 كم جنوب شرق العاصمة الأردنية عمان، وقد استدل علماء الآثار والتاريخ بعدة أدلة ترجح بقوة أن يكون هذا الكهف هو الذي جاء ذكره في القرآن الكريم، وهذه الأدلة هي:
أ- الدليل التاريخي: من الأدلة التاريخية التي يذكرها رجال الآثار أن العديد من الصحابة و قادة الجيوش الإسلامية قد ذكروا أن موقع الكهف الذي يوجد به أصحاب الكهف موجود بجبل الرقيم بالأردن حيث زاروا هذا الموقع وعرفوه، و منهم الصحابي عبادة بن الصامت الذي مر على الكهف في زمن عمر بن الخطاب وأيضا معاوية بن أبى سفيان، وكذلك حبيب بن مسلمة وابن عباس قد دخلوا هذا الكهف ورأوا عظام أصحاب الكهف(8).
ب-الدليل الأثري: تم العثور على بناء أثرى بنى فوق الكهف وهو الذي أشير إليه في قوله تعالى: "فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم، قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا"، فقد أثبتت الحفريات عن وجود بنيان فوق هذا الكهف كان معبدا (كنيسة) ثم تحول إلى مسجد في العصر الإسلامي، ويوجد بقايا سبعة أعمدة مصنوعة من الأحجار غير مكتملة الارتفاع ومخروطة على شكل دائري، كما يوجد بقايا محراب نصف دائري يقع فوق باب الكهف تماما، وبين الأعمدة الباقية بالمسجد بئر مملوءة بالماء وهى البئر التي كان يتم استخدامها في الوضوء، وقد أتيح لمقدم البحث أن يرى هذا المسجد خلال الزيارة الميدانية للكهف، شكل (1).
وقد تم ترميم المسجد أكثر من مرة وفقا لما هو مدون على الأحجار التي وجدت بداخله، وهى تشير إلى تجديد تم عام 117 هجرية ثم عام 277 هجرية، ثم أعيد التجديد مرة أخرى عام 900 هجرية مما يدل على اهتمام المسلمين الأوائل بهذا المسجد لاقتناعهم بأنه المذكور في القرآن الكريم، ومما يؤكد الاهتمام بهذا الموقع وجود مسجد آخر يقع بالجهة القبلية من الكهف ومازال منبر هذا المسجد قائما إلى اليوم وهو مكون من ثلاث درجات ضخمة من الأحجار على يمين المحراب، شكل (2)، وقد عثر بالمسجد على بلاطة تفيد بأن الخليفة الموفق العباسي قد أمر بتجديده.
كما تم العثور على ثمانية قبور بنيت بالصخر أربعة منها يضمها قبو يقع على يمين الداخل للكهف والأربع الأخرى تقع في قبو على يسار الداخل للكهف و المرجح أنها القبور التي دفن فيها الفتية التي ورد ذكرهم في القرآن، شكل (3)، وفي المنطقة الواقعة بين القبوين في الجزء الأول من الكهف تم العثور على جمجة لكلب وبفكه ناب واحد وأربعة أضراس، ويوجد بالكهف دولاب زجاجي يحتوى على جمجمة الكلب الى جانب بعض قطع من النقود التي كانوا يستعملونها ومجموعة من الأساور والخواتم و الخرز وبعض الأواني الفخارية، شكل (4).
ج- الدليل الجيولوجي: يؤكد المهندس الجيولوجي ناظم الكيلانى(9) من خلال فحوصاته المختبرية على أن تربة الكهف ومنطقة الرقيم تساعدان على صيانة الجسم ، ويذكر أن هذه التربة تتكون من الكاربوهيدرات والكالسيوم والمغنسيوم إضافة الى حفريات النباتات والحيوانات المشبعة بالراديوم، وهذه المواد توجد في معادن اليورانيوم والثوريوم المشعة والتي من خصائصها إنتاج
أشعة "ألفا" و"بيتا" و"جاما"، وهذه الأنواع من الأشعة ذات تأثير كبير في تعقيم اللحوم والنباتات والمحافظة عليها وتحول دون تفسخها، ويعتقد الكيلانى بأن وجود هذا النوع من التربة بعناصرها وأملاحها ربما يكون (ومعها أشعة الشمس المتناوبة) الوسيلة التي حفظت أجساد فتية الإيمان أكثر من ثلاثة قرون دون أن تؤثر فيهم عوامل الهواء والتربة.
د- أدلة أخرى: وتتمثل في أن الكهوف الأخرى التي تم الإشارة إليها على أنها هي التي جاء ذكرها في سورة الكهف لا ينطبق عليها آية طلوع الشمس وغروبها، وهو ما أكده الدكتور عبد العزيز كامل الذي زار كهف الرقيم بالأردن مرتين وتأكد من انطباق حركة الشمس في طلوعها وغروبها وعلاقة أشعتها بالكهف، كما درس من قبل عددا من الكهوف التي نسب إليها أهل الكهف وأهمها في أفسوس وطوروس واستبعدها لأنها ذات فتحات لا تتفق في سقوط الشمس عليها مع ما جاء في الآيات الكريمة(11)، وهو ما توصل إليه خبير الآثار الأردني "محمد تيسير طبيان" بناء على دراسة استمرت لأكثر من عشر سنوات، كما أن كثير من المتخصصين و المهتمين الذين زاروا كهف أفسوس ينفون أن يكون هو الكهف المعنى لبعده عن عاصمة الإمبراطورية الرومانية (حوالي 450كم عن أفسوس)، وحتى لو كانت مدينة أزمير هي مقر الحاكم الروماني ومنطلق الفتية المؤمنين فإنها أيضا بعيدة و لايمكن للفتية أن يبتعدوا كل هذه المسافة عن أزمير(12).
بيان علاقة تصميم الكهف بمسار الشمس الظاهري على مدار العام:
إذا كنا قد أوضحنا عاليه بعض الأدلة التي ترجح أن كهف الرقيم الواقع في جنوب شرق عمان (خط عرض 32 درجة شمالا تقريبا) هو الكهف المذكور في سورة الكهف، فانه قد أتيح لمقدم هذا البحث أن يقوم بزيارة هذا الكهف في يوم 6 يونية عام 2003م ورفع مقاسات الكهف من الطبيعة وتحديد اتجاه فتحة باب الكهف باستخدام البوصلة، مع عمل بعض قياسات درجة الحرارة داخل وخارج الكهف، إلى جانب تصوير الكهف من الخارج والداخل وكذلك المسجد الأثري المبنى فوقه والمسجد الأثري الواقع أمام فتحة مدخل الكهف إلى الجنوب.
وقد اتضح من الدراسة الميدانية أن للكهف مدخل واحد يواجه الجنوب الغربي حيث أن واجهة الكهف تميل 40 درجة إلى جهة غرب الجنوب، ومقاسات هذا المدخل هي 1.02م عرض و1.73م ارتفاع وله عتبة بارتفاع 0.21م، والكهف من الداخل يتكون من صالة مركزية بارتفاع حوالي 3.35م يفتح عليها قبوين (فجوتين) من كل من الجهة الشرقية والغربية، كما تفتح عليها فجوة من الجهة الشمالية وهى أكبر مساحة وأكثر ارتفاعا من الفجوتين الشرقية والغربية، ويفتح شباك بالفجوة الشمالية يتصل بنفق هواء رأسي يساعد على تهوية الكهف من الداخل،شكل (5)، ومن الواضح أن المسلمين الأوائل قد عرفوا مكان هذا الكهف وقاموا بعمل بعض العقود الدائرية ونقش بعض الزخارف الإسلامية أهمها النجمة الثمانية المعروفة في الفن الإسلامي على أحد القبور المتواجدة بالفجوة الشرقية.
ولدراسة المسار الظاهري للشمس بموقع الكهف لتحديد مدى انطباق الوصف القرآني لطلوع وغروب الشمس على هذا الكهف، فقد تم الاستعانة ببعض المعادلات التي تحدد قيم الزوايا الشمسية في أي شهر أو يوم أو ساعة من السنة ، وفي ما يلي المعادلات التي تم استخدامها لتحديد هذه الزوايا الشمسية(13):
أ-معادلة تحديد زاوية ارتفاع الشمس (Azimuth (A:
Sin (A) = Cos (L) * Cos (h) * Cos (d) + Sin (L) * Sin (d) .
Where: L = Latitude angle, h = Hour angle and d = Declination angle.
ب- معادلة تحديد زاوية الانحراف الأفقي للشمس(a)ا Azimuth:
Cos (a) = Sin (d) – Sin (L) * Sin (A) / Cos (L) * Cos (A)
ج- معادلة تحديد زاوية الظل الأفقية للشمس (HAS) :
HAS = / (a – WA /.
Where: WA = Wall’s orientation (Building’s orientation).
د- معادلة تحديد زاوية الظل الرأسية للشمس (VSA) :
Tan (VSA) = Tan (A) / Cos (HAS).
وباستخدام المعادلات السابقة أمكن تحديد الزوايا الشمسية الخاصة بخط عرض 32 درجة شمالا والتي تمثل موقع الكهف في جنوب شرق عمان العاصمة الأردنية،
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]